حريز مريم عضو فعال
عدد المساهمات : 48 تاريخ التسجيل : 23/03/2010 العمر : 32 الموقع : meriamhariz.wordpress.com
| موضوع: في أعماق الخيال الأربعاء يناير 05, 2011 12:25 pm | |
| ________________________________________ لماذا يتعكر مزاجنا في بعض الأحيان ، ويسكننا القلق والحزن و الاضطراب ، ولا نعلم لذلك سببا ، إنها الحقيقة المرة ، إنها الحياة التعيسة إنها هموم البشرية ، وأنا جزء منها ؛ أخذ القلق يستحوذ علي في تلك الساعة ، ويشدني إليه ويعتصرني ، وصرت أجوب الغرفة جيئة وذهابا وأقف أمام النافذة لأنظر بعيدا ، بعيدا ، وأطيل النظر والتيه ، ولا أدري ما أريد ، فأتراجع ثم أنهزم ، وأنتبه إلى نفسي لحظة ثم أغيب ، وأنظر إلى كل ما هو حولي ثم أسرع إلى الجلوس وأحضن رأسي بين كفي ، وأغمض عيني ، فيرتخي جسدي ، وأتلذذ وأنتشي ، ثم أرحل بعيدا حيث تجتاح تفكيري خيالات ومشاهد تتراءى لي ، أنسج فيها حكاية أستمتع بمشاهدتها في قبو ذاكرتي ، فأنسى دهري وأيامي وأحزاني . وبينما كنت جالسة ، أخذني الخيال إلى الطرق والممرات وألفيت نفسي أسير بين الأزقة والشوارع وقد تقمصت شخصية ليتيمة ضائعة لا أحد لها ، أسميتها وردة المنسية . كانت الأمطار تتهاطل بغزارة والأفكار تتماوج بشدة ، وكنت أسير بخطوات متوازنة ثم انحرفت يمينا فلمحت حافلة وركبت في آخر الصف لأني أفضل الجلوس في المؤخرة حتى أرى كل شيء وأشعر بأني مرتاحة أكثر فأكثر ؛ كان يجلس بجانب النافذة شاب وسيم الطلعة تبدي لي ملامحه أنه إنسان جاد في كل شيء ثم تراءى لي كأني قد عرفته من قبل ولكن أين ، وقد علم بأني أطيل النظر إليه فالتفت و نظر إلي طويلا ثم عاد إلى جلسته و نافذته ينظر هنا وهناك وعدت أنا لكتابي أقلب صفحاته ، ثم قلبت الكتاب وأطلت النظر إلى الصورة التي على ظهره ، ترى لماذا وضعها هنا ألكي أغسل عيني برؤيتها أو لكي يبقى الوجه الوحيد الذي يجب أن أنظر إليه وحده .. هو فحسب . ثم أتى القابض فهممت أن أمد يدي لأعطيه أجره ، لكن يد الشاب سبقتني إليه ، وقال له : هذا عني وعنها ، فنظرت إليه نظرة المتسائل ففهم لغز النظرات فقال لي مبتسما: لا عليك فأنا وأنت شخص واحد لا فرق بين أن أعطيه أنا أو أنت ، فرمقته بغضب لأفرغ جميع قنابلي في وجهه لكنه نظر إلي نظرة انكسار وحنو امتصت جميع غضبي ثم استطرد قائلا : هل بوسعي أن أرى الكتاب الذي بين يديك ؟ ، فهززت رأسي إيذانا مني بالقبول ، فراح ينظر ويطيل النظر إلى الصورة وهو يبتسم مرة ويتجهم مرة أخرى وكأنه في حديث قائم مع الرسم ، وهل تراك يا ياسين تكلمه وأنا كلما حاولت أن أستنطق رسمك يظل كما هو ينظر إلي بنظرات الواثق المستنصر ، وكأنك مزهو وتتجبر علي ، نعم علي أنا وردة المنسية . آه لو كنت تدري كيف سقط الصمت من علو على جدران البيت وأعلن الحزن ملكا ، كيف تدفق النواح كالأمواج الهادرة في باحة الدار ، وكيف توالى الصراخ الرهيب حين تواترت الأنباء °° مات ياسين °° وجاء الرجال منكسي الرؤوس يحملونك جثة هامدة ، لماذا رحلت وقد كنت أنتظرك ، كيف تنسى أن قلبا لا زال ينتظر عطفك ، كيف ؟ استدار إلي قائلا وهو يشير إلى الصورة : تعرفينه ؟ نعم ، شخص أعرفه ، وفرق بيننا الموت ؟ ما اسمه ؟ ياسين . وأنت ؟ وردة المنسية . فأخفى ابتسامة كانت تلح عليه بالظهور، ثم قال : أتكون الوردة منسية ، أعتقد أن الأحمق هو الوحيد الذي ينساها ، بل السؤال .. كيف ينسى الإنسان جمال الوردة .. عبقها .. شكلها .. أبدا، ربما هناك خطأ في الاسم . قلت : و .. ر .. د .. ة .. ا .. ل .. م .. ن .. س .. ي .. ة .. لا خطأ فيها . تنفس بعمق ثم رد إلي الكتاب وصار يمسح وجهه بكفيه ثم أسدل جفنيه وأسدل رأسه إلى المقعد كأن فيه ثقلا تعب من حمله . وقطعت سياج الصمت قائلة : سيدي كأني قد رأيتك من قبل ، بل .. أنظر جيدا إلى صورته ، إنه يشبهك كثيرا . آ .. ربما .. نعم ، ربما . رأيتك تنظر إليه وعيناك تخفي في طياتها دموعا تحاول أن تواريها ، فهل تعرف عن المرحوم ياسين شيئا . سيدتي ، سأجيبك بعدما تحدثيني أنت عن نفسك وما علاقتك بياسين ؟ وتوقفت الحافلة فنزلت ونزل هو خلفي ، ومشينا صامتين حتى وصلنا شاطئ البحر وجلسنا ، ثم قلت : كنت بين أهلي وإخواني وأحبابي أعيش في رغد العيش ، وكنت أحمل ثقل الدراسة بين كتفي وهم اليتم بين جوانحي ، فأمي ماتت بعد ولادتي ، وكانت حياتي بلا معنى ، حتى أتى ذلك اليوم الذي سيظل محفوظا في الذاكرة مدى العمر ، حين دخلت إلى دكان لأقضي بعض حوائجي فألفيت إعلانا وفيه رقم و صورة ياسين ، كان يقوم بحملة إعلامية لبيع كتابه ، فاشتريت الكتاب و حفظت رقم هاتفه ، ولما عدت إلى للمنزل اتصلت به ، وسمعت صوته لأول مرة فأحسست أنه قد غار في أعماقي وجداني واستقر ، واتفقنا على اللقاء حتى يعرفني بالجمعيات التي سأنضم إليها والمسابقات التي ستنظم وكل ما يعلق بالأدب والكتابة ، ومرت أيام وأيام وأنا أروح وأجيء إليه ونلتقي كل مرة ، وتعلقت به أكثر ، وكان ذات يوم أن قال لي بأنه عازم على السفر وانه سيعود ولن يطيل الغياب، لكنني أحسست بداخلي أنه لن يعود أنني لن أراه بعد اليوم ، ونعم رأيته جثة مفحمة مشوهة سوداء ، لا تبين من خلالها ملامحه ، وكان قد احترق داخل سيارته في حادث أليم ، مات ومات الحلم معه ، وتركني وحدي أجابه غصص الحياة بمفردي وأعيش بملل وسأم . كان يصغي إلي باهتمام بالغ وقسمات وجهه ونبرات صوته قد تغيرت وعيناه لا تفارقاني أبدا كان ينظر إلي وعيناه تدمعان ، فتأكدت أني رأيت هذا الفتى من قبل ، نعم أعرفه ولكن كيف ؟ وتوقفت برهة ثم أردفت قائلة : والآن وقد عرفت ، أريد أن أعرف أنا أيضا ؟ ولاحظت أنه تحير ، فقلت ، أقصد أنك قلت بأنك تعرف عنه شيئا ما ، أليس كذلك ؟ فتنهد طويلا وأطرق ثم نظر إلي نظرة حزينة يخالطها شوق وقال : نعم ، أعرفه منذ الطفولة ، بل ولدت معه ، كان المسكين يحيا حياة تعيسة لا خير فيها ، مع زوجة أبيه ، كانت تحرمه من أبسط الأشياء ، ولطالما كان يحدثني عن إعجابه بفتاة كانت هي عزاءه الوحيد ، ولم يستطع البوح لها بشيء لشدة خجله ، وقد عزم ذات مرة أن يسافر لغرض التجارة وقد اصطحب معه صديقا له ، وفي طريق عودتهم تعرضوا لحادث مروع نجا منه هو بطريقة مدهشة حيث ألقى بنفسه خارج السيارة وبقي صديقه داخلها فاحترق ، وكان ياسين مشوها من وجهه ، فأخضع لعملية تجميلية غيرت بعض قسمات وجهه ، ولما عاد إلى القرية تجاهله القوم وزعموا بأنه مات ولا سيما زوجة أبيه التي تنكرت له أشد النكيرة ، وسافر بعيدا حيث لا أحد يذكره بأحزانه . ثم عاد إلى إطراق طويل ، وأحسست بأنه ينازع ألما غائر في أعماقه ، و بأنفاس الجريح تنفس ووقف، فقد حان وقت المغيب ، وألقى علي نظرة حملت كل ود واحترام ، وقبل أن يغادر مكانه كان قد خط على رمال الشاطئ .. لي موعد مع البحر غدا . قرأتها بعد أن تأكدت من مغادرته المكان ، وبقيت بالقرب من السطور التي خطتها أنامله ، وقد انساب منها شجن روحه ، وغادرت المكان بعد أن أسدل الليل ستاره ، ومع شروق يوم جديد ، سرت إلى البحر وجلست أتأمل أمواجه ككل يوم ، وشد نظري شيء ما يلمع ، يا الاهي ما هذا الشيء ، إنها قارورة تلمع كالألماس و بداخلها ورقة بيضاء ووردة حمراء ، وعرفت حينها أنه أتى ولم يجدني ، وأمسكت الورقة بدقات قلب تخفق وأنفاس تتطارد ، وفتحتها وإذ بسطورها قد سطرت باللون الأحمر وكتب عليها : وردتي ، في أعماقك جرح وأمل كما في نفسي ، في أعماقك أبحرت وكان في نفسك مرفئي ، أعذريني إن قلت لك أحبك ، أعذريني إن قلت أني طالما كنت أبحث عن نفس طاهرة كنفسك ، حبيبتي .. أريدك أن تكوني بجانبي فأنت الأمل الذي ضاع مني وسأظل أتشبث به مدى عمري . فأمسكت قلمي وخططت وقلبي يعتصره الأسى فقلت : سيدي ، كان لي حبيب في السابق ولن أبدله ولو بذهب الأرض كلها ، وإني متأكدة أنه سيعود لأنه قالها لي قبل أن يغادر ، وسأظل أنتظره أبدا ، سيدي : أقسم أن لك قلبا تملكه لا يملكه غيرك من البشر ، كيف أبحرت في داخلي وعلمت ببحر أحزاني ؛ الحياة شقاء بداخل روحي فكيف بك أن تتحمل تضميد جراحي وإيقاف نزفي ، أرجوك أن تفهمني ، لا أريد لك الشقاء يا وردا فاح شذا ، أقدر لك إحساسك ومشاعرك المرهفة ولكني اعتذر عن قربك ، لأن الورد لا يحتمل العيش بين الأشواك ، وأنا حياتي كلها أشواك ، أرجوك أعذرني ، لأني سأرحل .... ووضعتها بالقارورة في ذات المكان ، ثم عدت إلى البيت خائرة القوى وقلبي يؤنبني وفكري يوبخني والأفكار تطاردني ، إلى أن نمت بعد طول أرق وقمت متأخرة وكانت الشمس قد رجعت واستوت في عرش سمائها بعد أن هزمت جيوش الليل ، فقمت مسرعة نحو شاطئ البحر وقصدت المكان المعهود ، وإذا في القارورة ورقة قد طويت وقطعة قماش سوداء اللون كأنما يلمح فيها إلى الموت ، ففتحتها بعنف وإذ فيه نفس القلادة التي أهديتها لياسين قبل وفاته يا إلاهي ، ما السر الذي يحاول أن يفشيه ؛ وانزويت إلى الورقة لألتقطها وكنت قد ألقيت بها جانبا ، فقرأتها ما بها فراعني ما كتب : ها أنا أخط آخر عباراتي في عالم الكتابة ، أودع أوراقي وحبري ، أودع آلامي وجروحي ، أودعك بابتسامة على أمل اللقاء كروح تفارق الجسد رغبة في الصفاء عذرا يا قلمي لقد أثقلت كاهلك بآهاتي وآلامي لقد أتعبت حبرك بنقل مشاعري ، عذرا يا قلمي ، لقد أدميتك بجروحي ، سأودعك وأحمل شتاتي وارحل سأودعك وأوراقي وكل شيء سأكون من يضع نقطة النهاية لمسيرة لم تبدأ بعد ولكن ولمرة أخيرة اسمع شكواي ، فلقد تمزقت آخر شراييني لتذرف عيوني الدمع دماء ، لا أدري أ أفرح بقدوم من أحب واشتاق اللقاء ولكن من لي بخبر عنهم في عالم الغرباء ، لقد أعلنت انسحابي من كل العوالم ، وتركت خلفي آلامي وجروحي لأعيش كحجر من تلك الحجارة الصماء ، عذرا ، سأطيل الوداع ، سأذكرك بكل شيء ، بكل الحروف فأبجدياتي أمام عيني تتهاوى قطرة قطرة ، فقطرة حملت جروح الأحبة والأصدقاء وأخرى وعدت بصدق ووفاء وثالثة حلفت ألا يكون هناك جفاء ولكن في النهاية سقطت جميع القطرات وبقيت وحدي أشكو وحدتي في المساء ، أشكو فراغا في روحي ، أتألم من هذا الخواء ، فبعدك حياتي بلا معنى ، فعذرا ، أثرت الرحيل وأثرت الجفاء ، وهنا سأخط آخر فصول القصة ، هنا سأخط آخر عبارات الوداع ، هنا سأقول وداعا بلا أمل في اللقاء ولنحفظ عهدنا بأن تبقى أسرارنا طي الخفاء ، عذرا سيدتي فلقد آلمني طول البكاء لذلك سأضع النقطة الأخيرة في جميع صفحات هذه الحياة .. وخرجت من أعماقي آهات كادت أن تقطع أنفاسي وسالت الدموع لتبلل الورقة وتخلط السطور وتخفي كل الكلمات .. وفي لحظة أحسست أن يد حانية تلامس كتفي والتفت بانكسار موجع فلم أكد اصدق انه هو ، مد يديه ومسح دموعي ونظر إلي وابتسامة مشرقة تلوح من عينيه ثم قال : أنا ياسين يا حبيبتي أنا هو ، أقسم أني أنا هو وتلك حكايتي التي حكيتها لك وأنت لست منسية كما تزعمين ، لأني لازلت أذكرك، حبيبتي .. أقسم أني سأظل أشعر بأني في حاجة إليك ، لن أدعك بعدما كنت أبحث عنك ، عن نفسك الطاهرة ، لن أتركك فأترك آمالي وأحلامي وسعادتي ، سأكون بجانبك أينما ذهبت وفي أي درب سلكت ، قالوا لي أنك تزوجت بعد سماع خبر وفاتي ، لكني لم أصدق أن تتركيني ببساطة ، ستكونين لي وسنظل معا إلى آخر العمر . حينها وبعد هذه الكلمات لم استطع الاحتمال وجثوت على ركبتي وانهمر الدمع وزفر الصدر بأنفاس الحنين فقلت له ولم أكد أصدق : نعم هو أنت ، وأبدا لن أفكر في الرحيل ، فكيف لمثلي أن تترك مملكة الحنان والحب البريء ، كيف لي أن ارحل واترك من كان يملك قلبي ولازال ، كيف أتخلى عن أملي الذي لازلت أتشبث به منذ زمن بعيد ، كيف أترك من لامس بأحاسيسه شغاف قلبي الحزين ، سأبتسم اليوم لأجلك ، وهاتي يدك تعانق يدي ونسير بخطى الواثقين على رمال هذا الشاطئ الذي جمعنا وننسى الماضي وننسى كل آلامنا وأشجاننا ، دعنا نلعب ونمرح وندفن أقدامنا في الرمال الباردة ونتأمل سباق الأمواج .. | |
|