السلام عليكم ورحمة الله
حفظ القرآن وكتابته وجمعه
أ ـ تمهيد.
يطلق جمع القرآن ويراد به عند العلماء أحد معنيين.
المعنى الأول: جمعه بمعنى حفظه. وجماع القرآن: حفاظه، وهذا هو الذي ورد في قوله تعالى في خطابه لنبيه صلى الله عليه وسلم، وقد كان يحرك شفتيه ولسانه بالقرآن إذا نزل عليه قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي حرصا على أن يحفظه {لا تحرك به لسانك لتعجل به* إن علينا جمعه وقرآنه* فإذا قرأناه فاتبع قرآنه* ثم إن علينا بيانه } [القيامة:16-19]. فعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة ، فكان يحرك به لسانه وشفتيه مخافة أن ينفلت منه ، يريد أن يحفظه ، فأنزل الله {لا تحرك به لسانك لتعجل به* إن علينا جمعه وقرآنه } [القيامة: 16-17]. قال: يقول إن علينا أن نجمعه في صدرك ثم نقرأه {فإذا قرأناه } يقول: إذا أنزلناه عليك {فاتبع قرآنه } فاستمع له وأنصت {ثم إن علينا بيانه } أن نبينه بلسانك. وفي لفظ: علينا أن نقرأه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل أطرق ـ وفي لفظ: استمع ـ فإذا ذهب قرأه كما وعد الله.
المعنى الثاني: جمع القرآن بمعنى كتابته كله، مفرق الآيات والسور، أو مرتب الآيات فقط، وكل سورة في صحيفة على حدة، أو مرتب الآيات والسور في صحائف مجتمعة تضم السور جميعا، وقد رتب إحداها بعد الأخرى.
ب ـ جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم :
1 - جمع القرآن بمعنى حفظه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مولعا بالوحي، يترقب نزوله عليه بشوق، فيحفظه ويفهمه، مصداقا لوعد الله {إن علينا جمعه وقرآنه } فكان بذلك أول الحفّاظ، ولصحابته فيه الأسوة الحسنة، شغفا بأصل الدين ومصدر الرسالة، وقد نزل القرآن في بضع وعشرين سنة، فربما نزلت الآية المفردة، وربما نزلت آيات عدة إلى عشر، وكلما نزلت آية حفظت في الصدور، ووعتها القلوب، والأمة العربية كانت بسجيتها قوية الذاكرة، تستعيض عن أميتها في كتابة أخبارها وأشعارها وأنسابها بسجل صدورها.
ومن أشهر الحفاظ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبي بن كعب ). وهؤلاء الأربعة: اثنان من المهاجرين هما: عبد الله بن مسعود، وسالم، واثنان من الأنصار هما: معاذ، وأبي. رواه الحاكم والترمذي، وقال حسن صحيح، وصححه السيوطي.
ـ وعن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قلت: من أبو زيد ؟ قال: أحد عمومتي.
ـ وروي من طريق ثابت عن أنس كذلك قال: "مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرادء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو يزيد ". وذكر هؤلاء الحفاظ السبعة أو الثمانية، لا يعني الحصر، فإن النصوص الواردة في كتب السير والسنن تدل على أن الصحابة كانوا يتنافسون في حفظ القرآن، ويُحَفِّظونه أزواجهم وأولادهم. ويقرؤون به في صلواتهم بجوف الليل، حتى يسمع لهم دوي كدوي النحل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر على بيوت الأنصار، ويستمع إلى ندى أصواتهم بالقراءة في بيوتهم، فعن أبي موسى الأشعري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (لو رأيتني البارحة وأنا أستمع لقراءتك ؟ لقد أعطيت مزمارا من مزامير آل داود ) رواه مسلم.
ـ وعن عبد الله بن عمرو قال: "جمعت القرآن، فقرأت به كل ليلة، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اقرأه في شهر )" رواه أحمد وصححه السيوطي في بعض الروايات.
من هذه النصوص يتبين لنا أن حفظة القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا جمعا غفيرا، فإن الاعتماد على الحفظ في النقل من خصائص هذا الأمة. قال ابن الجزري شيخ القراء في عصره: "إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على خط المصاحف والكتب أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة ".
ج ـ جمع القرآن بمعنى كتابته على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم :
اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتَّابا للوحي من أجلاء الصحابة. كعلي، ومعاوية، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، تنزل الآية فيأمرهم بكتابتها، ويرشدهم إلى موضعها من سورتها، حتى تظاهر الكتابة في السطور الجمع في الصدور، كما كان بعض الصحابة يكتبون ما ينزل من القرآن ابتداء من أنفسهم، دون أن يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فيحفظونه في العسب، واللخاف، والكرانيف، والرقاع، والأقتاب، وقطع الأديم، والأكتاف.
وهذا يدل على مدى المشقة التي كان يتحملها الصحابة في كتابة القرآن، حيث لم تتيسر لهم أدوات الكتابة إلا بهذه الوسائل، فأضافوا الكتابة إلى الحفظ. وكان جبريل يعارض رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن كل سنة في ليالي رمضان. عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ) متفق عليه. وكان الصحابة يعرضون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لديهم من القرآن حفظا وكتابة كذلك.
ولم تكن هذه الكتابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مجتمعة في مصحف عام، بل عند هذا ما ليس عند ذاك، وقد نقل العلماء أن نفرا، منهم علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود قد جمعوا القرآن كله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر العلماء أن زيد بن ثابت كان عرضه متأخرا عن الجميع.
وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن محفوظ في الصدور، ومكتوب في الصحف على نحو ما سبق، مفرق الآيات والسور، أو مرتب الآيات فقط، وكل سورة في صحيفة على حدة، بالأحرف السبعة الواردة. ولم يجمع في مصحف عام، حيث كان الوحي يتنزل تباعا فيحفظه القراء، ويكتبه الكتَبَة، ولم تدع الحاجة إلى تدوينه في مصحف واحد، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يترقب نزول الوحي من حين لآخر، وقد يكون منه الناسخ لشيء نزل من قبل، وكتابة القرآن لم يكن ترتيبها بترتيب النزول بل تكتب الآية بعد نزولها، حيث يشير صلى الله عليه وسلم إلى موضع كتابتها بين آية كذا وآية كذا في سورة كذا، ولو جمع القرآن كله بين دفتي مصحف واحد لأدى هذا إلى تجديد الكتابة كلما نزل شيء من الوحي. قال الزركشي: "وإنما لم يكتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مصحف لئلا يفضي إلى تغييره في كل وقت، فلهذا تأخرت كتابته إلى أن أكمل نزول القرآن بموته صلى الله عليه وسلم ".
وهذا الحفظ والكتابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسُمى الجمع الأول.
د ـ جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
قام أبو بكر بأمر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواجهته أحداث جسام في ارتداد جمهرة العرب، فجهز الجيوش وسيرها لحروب المرتدين، وكانت غزوة أهل اليمامة سنة اثنتي عشرة للهجرة تضم عددا كبيرا من الصحابة القُرَّاء. فاستشهد في هذه الغزوة سبعون قارئا من الصحابة، فهال ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ودخل على أبي بكر رضي الله عنه وأشار عليه بجمع القرآن وكتابته خشية الضياع، فإن القتل قد استحر يوم اليمامة بالقراء ـ ويخشى إن استحر بهم في المواطن الأخرى أن يضيع القرآن ويُنْسى، فنفر أبو بكر من هذه المقالة، وكبر عليه أن يفعل ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظل عمر يراوده حتى شرح الله صدر أبي بكر لهذا الأمر، ثم أرسل إلى زيد بن ثابت ـ أحد كتاب الوحي ـ لمكانته في القراءة والكتابة والفهم والعقل، وشهوده العرضة الأخيرة، وقص عليه قول عمر، فنفر زيد من ذلك كما نفر أبو بكر من قبل، وتراجعا حتى طابت نفس زيد للكتابة، وبدأ زيد بن ثابت في مهمته الشاقة في جمع القرآن معتمدا على المحفوظ في صدور القراء، والمكتوب لدى الكتبة، وبقيت تلك الصحف التي جمعها عند أبي بكر، حتى إذا توفي سنة ثلاث عشرة للهجرة صارت بعده إلى عمر، وظلت عنده حتى مات، ثم كانت عند حفصة ابنته صدرا من ولاية عثمان حتى طلبها عثمان من حفصة.
عن زيد بن ثابت قال: أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: "إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أريد أن تأمر بجمع القرآن ، فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال عمر: هو والله خير ، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد : قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل مما أمرني به من جمع القرآن ، قلت : كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: هو والله خير ، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح الله صدر أبي بكر وعمر ، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع غيره {لقد جاءكم رسول من أنفسكم } [التوبة: 128]. حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر".
وقد راعى زيد بن ثابت نهاية التثبت، فكان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة، وقوله في الحديث: "ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره ". لا ينافي هذا، ولا يعني أنها ليست متواترة، وإنما المراد أنه لم يجدها مكتوبة عند غيره، وكان زيد يحفظها، وكان كثير من الصحابة يحفظونها كذلك، لأن زيدا كان يعتمد على الحفظ والكتابة معا، فكانت هذه الآية محفوظة عند كثير منهم، ويشهدون بأنها كتبت، ولكنها لم توجد مكتوبة إلا عند أبي خزيمة الأنصاري.
وقد عرفنا أن القرآن كان مكتوبا من قبل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب. فأمر أبو بكر بجمعه في مصحف واحد مرتب الآيات والسور، وأن تكون كتابته غاية من التثبت مشتملة على الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، فكان أبو بكررضي الله عنه أول من جمع القرآن بهذه الصفة في مصحف.
هـ ـ جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه
اتسعت الفتوحات الإسلامية، وتفرّق القراء في الأمصار، وأخذ أهل كل مصر عمن وفد إليهم قراءته، ووجوه القراءة التي يؤدون بها القرآن مختلفة باختلاف الأحرف التي نزل بها، فكانوا إذا ضمهم مجمع أو موطن من مواطن الغزو عجب البعض من وجود هذا الاختلاف، وقد يقنع بأنها جميعا مسندة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا لا يحول دون تسرب الشك للناشئة التي لم تدرك الرسول، فيدور الكلام حول فصيحها وأفصحها، وذلك يؤدي إلى الملاحاة إن استفاض أمره ومردوا عليه، ثم إلى اللجاج والتأثيم، وتلك فتنة لا بد لها من علاج.
فلما كانت غزوة "أرمينية " وغزوة "أذربيجان " من أهل العراق، كان فيمن غزاها حذيفة بن اليمان فرأى اختلافا كثيرا في وجوه القراءة، وبعض ذلك مشوب باللحن، مع إلف كل لقراءته، ووقوفه عندها، ومماراته مخالفة لغيره، وتكفير بعضهم الآخر، حينئذ فزع إلى عثمان رضي الله عنه وأخبره بما رأى، وكان عثمان قد نمى إليه أن شيئا من ذلك الخلاف يحدث لمن يقرئون الصبية، فينشأ هؤلاء وبينهم من الاختلاف ما بينهم، فأكبر الصحابة هذا الأمر مخافة أن ينجم عنه التحريف والتبديل، وأجمعوا أمرهم أن ينسخوا الصحف الأولى التي كانت عند أبي بكر، ويجمعوا الناس عليها بالقراءات الثابتة على حرف واحد، فأرسل عثمان إلى حفصة، فأرسلت إليه تلك الصحف، ثم أرسل إلى زيد بن ثابت الأنصاري، وإلى عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام القرشيين، فأمرهم أن ينسخوها في المصاحف، وأن يكتب ما اختلف فيه زيد مع رهط القرشيين الثلاثة بلسان قريش فإنه نزل بلسانهم.
عن أنس: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: "أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى" ، فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بسواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق، قال زيد: "آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري : {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } [الأحزاب: 23]. فألحقناها في سورتها في المصحف.
وهذا يدل على أن ما صنعه عثمان قد أجمع عليه الصحابة، وهو من أعظم مناقب عثمان رضي الله عنه، ليجتمع الناس على قراءة واحدة وحرف واحد من الأحرف السبعة. واحتبس بالمدينة واحدا هو المصحف الذي يسمى الإمام. وتسميته بذلك لما جاء في بعض الروايات من قوله: "اجمعوا يا أصحاب محمد فاكتبوا للناس إماما ". وتلقت الأمة ذلك بالطاعة، وتركت القراءة بالأحرف الستة الأخرى، ولا ضير في ذلك، فإن القراءة بالأحرف السبعة ليست واجبة، ولو أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمة القراءة بها جميعا لوجب نقل كل حرف منها نقلا متواترا تقوم به الحجة، ولكنهم لم يفعلوا ذلك فدل هذا على أن القراءة بها من باب الرخصة، وأن الواجب هو تواتر النقل ببعض هذه الأحرف السبعة وهذا هو ما كان.
عن سويد بن غفلة قال: قال علي: "لا تقولوا في عثمان إلا خيرا. فوالله ما فعل الذي فعل في المصحف إلا عن ملأ منا . قال: ما تقولون في هذه القراءة؟ قـد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفرا، قلنا: فما ترى؟ قال: أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف ، قلنا : فَنِعم ما رأيت ".
الفرق بين جمع أبي بكر وعثمان:
يتبين من النصوص أن جمع أبي بكر يختلف عن جمع عثمان في الباعث والكيفية، فالباعث لدى أبي بكر رضي الله عنه لجمع القرآن خشيـة ذهابه بذهاب حملته، حين استحر القتل بالقـراء.
والباعث لدى عثمان رضي الله عنه كثرة الاختلاف في وجوه القراءة، حين شاهد هذا الاختلاف في الأمصار وخطأ بعضهم بعضا.
وجمع أبي بكر للقرآن كان نقلا لما كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب، وجمعا له في مصحف واحد مرتب الآيات والسور. مقتصرا على ما لم تنسخ تلاوته، مشتملا على الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.
وجمع عثمان للقرآن كان بالاقتصار على حرف واحد، وتوحيد خط المصحف، واعتماد ما فيه دون ما سواه وهو المسمى بالجمع الثالث، وكان سنة 25 هجرية.
منقول